Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Chronique de Taxidriver

Visionnage de vie...

.طلال السّوري

 
يلْعبان سوِيّاً دونما اكْتِراث بمؤاخذات أُمّهِما المألوفة و المُتتالية, تحدِّرُهما أن يتماديا في ابتِكار ألْعابٍ ذات عواقِبْ على اغراضِهم و أثاث البيْت المُتواضِع, خُصوصاً طلال ذو الخيال الواسع المعْطاء, يبْتكِر كُلّ يوم لُعْبة جديدة يحْشُرُ فيها أُخْتهُ الصُّغْرى, تتبعُهُ و تُطيعُهُ بلا تردُّد فرِحةً مُسْتأْنِسةً, يُشْرِكُها طلال في استِكْشافاتِه للعوالم التي تُحيطُهُم, انْهمكا في مَشْغَلِهم بكُلِّ تفانٍ حتّى أنّهُما لمْ ينْتبِها لِأُمِّهِما تُنبِّهُهُما أنّها ستغيبُ لِلحْظة لِتلِجَ الحمّام لِمُساعَدة والِدهُما في أخْد حمّامِهِ, ها هو ذا يستعْجِلُها و يسْتصْرِخُها….
طلال مشغول الذِّهن بما رآه البارِحة, مسدّسٌ مُعلّقٌ في مِسْمارٍ, أسْرع أبوه بتعْليق مِعْطفٍهِ الطّويل, لا ضيْر ما دام الموْضِع عالٍ يستحيل أن يصِل إليه الأطفال لكن بصر طلال رمَقَه في غفْلةٍ من أبيه.
بدافِع الفُُضُول انْطلق مُسَلْسل الابْتِكار, الفُرْصة سَنَحت بِغِيابِ الأم, لِتجْرِبةِ شيءٍ جديد و لكن كيف الوُصول للمُسدّس ؟ انطلق دماغُهُ الصَّغير بأقصى ما لديْه, ما لبِث أنْ وجد حلاً بديهِياً: اسِتعْمال الوسائِل المُتاحة, مِقْعَدين إذا وُضٍع أحدُهُما فوْق الآخر كَفيلان لِقهْرِِ ذاك العُلُوْ القاهِر, لتثْبيت البِناء فسواعِد أختِه سَتَفي بالغَرض أمرها فأَطاعتْ, كيْف لا و هُو الرَّجل, فَِهِم كِلاهُما التّراتُبِيّة الذُّكورية التي تُحيطُهُم, لاحظوا أنَّ أوامِر و رَغَبات الأَبِ تتحوّل تِلْقائياً لِبرْنامَج أمِّهم اليوْمي و أنّ الذُّكور مَن يقُود الأُُمور في هذه النّاحِية من الدُّنيا الواسِعَة, طلال بدأ بِأُختِه الصّغيرة في تنْزيل هذا التّوافُق الاجتِماعي فيأْمُرها دون توقُّع مُعارضة مِنْها, ستُمْسِك إِذاً بِالمقْعَد السُّفْلي لِيصْعَد هُو إِلى فوْق, حيْثُ السِِّلاح, حيث مُبتغاه…
الصّغيرة ترْتعِش لكنّها تُكابِد هلَعَها لتُسايِر طلال في غِمارِ تجارِبِه, فُوَّهة مِدْفعٍ ضخْم تحْجُبُ عنْها جُلَّ وجْهِ أخيها, طَبيعي ما دام المُسدّسُ مُصوّبٌ بين عيْنَيها مُباشرةً…  
"بابا ما بْيَصْنَعْ هيكْ, شُفْتُ فْعُرْس الجِّيرانْ بِيرْفَعْ إيدو لِسّما أُوبيْ طُخْ " !! Bang  
انْبَجَسَ الزّوْجان من الحمّام عُراة, ما إن رأتِ المرأة ولَدَها قائِماً و في جَبينِه ثُقْبٌٌ دامٍ أُُغْمِي عليْها, أبو طلال مذْهول و لكنه تساءَل كيْف يكُون ولدُه مُصاباً و ما يزال واقِفاً ؟ لا يَرى ابْنَ تَه, تقَدَّم و كُلّما اقْتَرب دخَلَتِ الصّغيرَة في مَجَال بصَرِِه و هي جالِسَة القُرْفُصاء نظُرُها إلى السّقْفِ جاحِظَةً, نظر إلى السّقْفِ إ ذا بِهِ ثُقْبٌ ينزلُ منه غُبار, المسدّسُ على الأرض ينفِرُ دُخان, الدّمُ السائل من جبين ابنِه وصل دقْنَهُ لكنّه لم يخرُج بعْد من عوالِمِهِ…
استجْمَع أبو طلال المُتفرِّقات ليُركِّب سينارْيو ما وقع : الطِّفْل رفع المُسدّس لِلْأعْلى, أَطْلق النّار, يدُهُ لم تُقاوِم الارْتِداد فانْغرس الزِِّناد الخلْفي في جبهته…
الطِّفْلةُ وُلِدت من جديد….
 

 

ثخينٌ شيأً ما لكنه مُرتاحٌ في قشَّابيَّتِهِ المغربية تحْسِبُه فاسيٌّ مِن بائِعي الصِّيغة في زَنْقة الرِّباط لوْلا لكْنتُه الشّامِية :
" حيْ أناسي, تِعْرَفْ وينْ ؟ ...همم؟... على بركة الله"
كانت ليلة رمضانية ذات سكينة و هُدوء, انْغمَسَ الشّامِيُّ في هاِتفٍ جِدْ مُتواضِع من الجيل الأوّل, يُحرِّر رسائِل قصيرَة بالحرْف العَرَبي لكنّه يتهجّاها حرْفاً بِحرفً مِمَّا أَغاض عبْدو (الحاكي) و لمْ يجْرُؤْ على تكْسير الهُدوء النّاعِم , حتّى البيْضاء الصّاخِبَة نَهاراً أضْفت سِلْواناً على هذا السَّفر الطّويل من المعاريفْ إلى أقصى شَمال المَدينة, أليْس في هذا الهاتِف اللّعين مُعْجم تِلْقائي ليُسهِّل على هذا العربي كِتابة رسائِلِه ؟ كاد عبْدو أَن يُكسِّر الصّمْت الذي دام لِمسافة, رُبّما رغْبَة مكْبوتة في اسْتِدراج الشّامِي لِحديث مُؤْنِس ؟
" وا نا مالي ؟ " هكذا فكّر عبدو و اخْرج هاتِفا أسْود يُضاهي هاتف الزّبون في القِدم و العتاقة, لكنه بِه راديو مُميَّز, ينْشغِلُ بدون سمّاعات و لَهُ صدى كرادْيوّات زمان التِي تُصاحِبُ الصّيّادين و السّاهِرين العُزَّل, نُسمِّيها "radio 6 ", سيسْأل الفاطِنين منكم لِم لا يُشغَِل عبدو راديو الطاكْس؟ سُرِقَ ذات ليْلة في حيْ دِرب السُّلطان لمَّا باثتْ (كريستين *) عند من يُشارِكُ عبدو في مُغازلتِها....
الهدوء و الصمت و سحْر (كريستين), انطلقت تقاسيم
المقدمة الموسيقية لأغنية عربية مألوفة لِعبدو لم يُحدد
صاحبها أو صاحبتها بالأحرى إلى أنْ.. 
"أوقاتي يبِتِحْلَوْ....دن دن...تِحْلَوْ امْعاكْ.. دن دند دن...وا
حياتي اتِكْملْ بِرِضاك..." (الدقيقة 6 )
 
"هذه الأغنية لها قصة طريفة معي, خُصوصاً حين أكون راكباً, مرّةً هناك في سوريّا بلدي, رافقُت بِمَعِيّة أُخْتي الصُّغْرى أبي في رحلة تِجارتهِ طويلة دامت يوْمان, لِشقاوَتِنا يُلْزمنا أبي المُكوث في الخلفية, يُغْلِق بوابة حديدية كالقَفص لِنَثْبُت, سماعْ المِذْياع يُسكِرُنا فنغْفُو...
استيْقَظْتُ على جِلَّبةٍ و اصْطِدامِ حديدٍ بصخْر, انْقَلَبت المرْكبة و لفَّتْ لِمَرّاتٍ و استقَرّتْ في قَعْر جَوْفةٍ مِن الأَرْض.
 
"هلْ وصلْنا ؟ "
 
كان هذا ردّ فعلنا لمّا انْتشلنا أبانا مِن القفصْ, كأَنّ كُلُّ هذا الزّخَم و الفرْقعات مُجرّد استِواء طبيعي للْمرْكبة ! لكنّ الرّاديو اسْتمَرّ في إِيداع هذِه الأُغْنية لِورْدة الجزائريّة...."
الشّامي لديه حسّ فكاهي يروق لِعبدو و اكْرِيسْتين.
 
"لماذا كان لأبيك مسدّس ؟"
 
" هذا شيءٌ مألُوفٌ في سوريّا أنْ يكون معك سِلاح, السّوريّ لا يُخرج سِلاحه إِلاّ لاسْتِعمالِه, سَيّان أَن فعل أمْ لا, ليْس لديْه ما يخْسِرُه, الحُكْم عِنْد القاضي لنْ يتغَّيّر أطْلق النّار أمْ عَفى, ما دام أخْرَج سِلاحهُ فهُو مُدان...
اكْريسْتين تتفّهمُ الوضْعَ السُّوري أكْثر الآن, كيْف سيكون الوضْع الأمْني في المغرب لو كان السِّلاح متوفِّراً كسُوريا ؟ ظاهِرة "التّشرْميل" ستغْدو مجرّدْ " لَعْبْ الدْراري" و لكن المُسلّحون الذين يجولون هذه الأيام في أحْيائِنا مُزوّدون بِسلاحٍ من لحْمٍ و دِماءٍ فَوّارة, محْشُوّة بِذَخيرة "حيّة منوِِيّة", بيدوفِيلات و محْترفي الاغتِصاب يصَوِّبونها على كل من ترَنّح أو ترنَّم.
 
 

طلال هو الواقف في أقصى اليسار.

 

طلال مُتزوِّج من مغربيّة, إتّجه أوّلاً نحْو الأردن فالقتصروا له بتأشيرة شهر فقط ؟ السبب جنسية زوجته, لاعتبارات يعلمها الله المغربية في أرض الحفاة العراة, مشقوقي الأقدام, البدو المستعصين على الحضارة, كل مغربية مشروع بغي يستعيذون منها و يصونون البلد الطاهر ... طلال مغتاظ من ذلك فكيف بعبدو ؟

"الحكومة هنا أيضا أصدرت بلاغاً يدعو اللاجئين السوريين مغادرة البلد و الكف عن التسوّل بابواب المساجد..."

"يا أخي السّوريّ الحقيقي لا يتسوّل, هاؤلاء غجر و أقوام يقطنون البلد, أنا شخصياً أعيش مع أنسابي و لي صفحة على الفايس بوك أحاول تاطير وجودنا هنا و مطالبة السلطة المغربية من تمكيننا من المساعدات الدولية و التوزيع العادل لها و لكن يبدو أن القانون المغربي لا يسمح بذلك...."

تتسائل اكريستين ما الذي أصاب الدنيا حين تتمكن سلطات شبه بلد جاد لهم أسيادهم الأنجليز بجغرافيا و عرش من ورق, أن "تُبهْدِل" حفيدات الملكة "داهيا" التي قاومت الغزاة الأمويين و لم تقاوم العقيدة التوحيدية الجديدة, نصحت أولادها باعتناقها و ماتت شامخة أبية....

البلد الحقيقي هو من يحتضن ثقافة و فن عيش و شهامة و خصوصية ليست لغيره, و لكن يُقابل "الثقافة" كمسطلح شيء يصعب تسميته, ربما ما ورد بالقرآن بالجبت و الطاغوث يتخذه بعض العربان خصوصية ثقافية و ما هو إلاّ تفاهة تهوي بهم في مؤخِّرات الأمم...

ليس هذا تحامل على العرب وحدهم, فبجانبهم شعب يعدّهم العالم ديمقراطيون في غابة الجور التي تحيطهم’, يصعدون فوق تل ليتسلوا بمقاتلات جيشهم القاهر تقصف العزّل في بلدة غزّة الأبيّة...

أو غير بعيدٍ ذاك "القافز" الذي انبرى لِترميم بيت بحي بوركون فأزال عموداً فانهار عليه و قتل أسرأ بأكملها فحضي بزيارة ملكية مخزية....

كل هذه النمادج و الكوارث من مخلّفات الاّثقافة الشيطانية, نتاج الغرور و الجبت و الطّاغوث بحسبها الجهّال خصوصيات و مميزات خالصة لهم, لا والله ما هذا من الثفافة في شيء, ما هذا إلاّ سرطان الحضارة....

الأنسان كائن حضاري ينتج تلقائياً الفعل و الشيء الثقافي, و هذه الثقافات المختلفة جغرافياً متجانسة و متسامحة تلقائياً,

فأن وجدتم غير ذلك فقد استغوتهم أهوائهم و الشياطين من كلِّ حدب و صوب.

هكذا امتعضت اكريستين فتكلّمت.

(*) كريستين هي الّرّوح التي تسكن الطاكس الأحمر البيضاوي.عبدو هو السّائق الحكواتي خادمكم.

 

Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article
R
جميل جدا و رائع ????
Répondre